الثقافة والهوية ورهانات الصورة: ولو نظرنا إلى الثقافة ( كمركب من المعارف والعقائد والقوانين والأخلاق والعادات والفنون التي ينتجها المجتمع جيلاً بعد جيل ويكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع ، فإنها ( أي الثقافة ) تحوي مجموعة من الأهداف التي تحصرها الأيديولوجيا في مجال اشتغالها وفق دلالات غائية تشترط وجود هذه الأهداف ( مرحليا ) ولعل احتدام التوترات المتعلقة بفكرة الهوية ( هوية الجماعة وموقعها على خريطة العالم السوسيو- ثقافية وعلاقتها بالآخر ، ومع اشتداد الانغلاق أيديولوجيا ( الخصوصية ، الأصالة ) ، وتبقى هذه المعادلة المتواترة بين ( الأيديولوجيا ، الثقافة ) أسيرة التاريخ ، ومن هنا يمكن النظر إليهما معا كمفهومين عصيا عن التباعد والتعارض .
وعلى هذا الأساس، فلو جاز لنا أن نستقرأ واقع القطاع السمعي- البصري، وعلاقته بالثقافة والهوية. أن نستقرأ آليات الاشتغال التي تعمل وفقها أو مستويات الضغط التي كانت فضاءها وموضعها، لا ستقرأنا كل ذلك، ودونما مجازفة كبرى.
والواقع أن وضعيتها هاته (القطاع السمعي- البصري أعني) هي أصلا وبالأساس من أربع معضلات أخرى عاشتها ولا يزال لأكثر من أربعة عقود من الزمن مضت، سنحاول أن نختزلها هنا في أربع حقائق كبرى:
- الحقيقة الأولى أن معضلة القطاع السمعي- البصري هي، في عمقها وفي جوهرها، من معضلة الجسد الإعلامي برمته ومن النكبات التي طالته منذ مرحلة الستينات على الأقل وإلى اليوم.
معضلة الجسد الإعلامي هاته لا تتجلى فقط في كثير من الإنتاج الهزيل الذي لا يرقى إلى ما تدفعه الدولة من ميزانيات ضخمة للفعل الثقافي، ولكن أيضا في كون الإشكالية الإعلامية (بكل مكوناتها المكتوب والمسموع والمرئي) لم تعطى لها المساحة اللازمة من الحرية، وعناصرها لم تطرح الطرح السليم ولربما لم تطرح حتى الان.
قد نسلم ببعض الانفتاح التدريجي في العقدين الماضيين (على اعتبار فضاء الحرية النسبي الذي أتيح للمكتوب، للسينما، للمسرح وللإذاعة وغيرها)، لكن بقدر انفتاحه على هذه المكونات بقدر تشديد "القبضة" على الممارسة القطاع السمعي- البصري باعتبارها الأقوى، باعتبارها الأخطر وباعتبارها الواسعة الانتشار.
بإشتراكك معنا ستتمكن من الحصول على آخر الأخبار و نشاطات المخبر.